الملك محمد السادس قائدنا الأعلى و الله_الوطن_الملك شعارنا، والدفاع عن المصالح العليا للمملكة واجبنا.
المملكة المغربية : الجهوية و النموذج التنموي في قلب إستراتيجية المغرب الجديد، رؤية جديدة و آمال مرتقبة من المواطن المغربي المسؤول، بفضل التوجيهات السامية لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده.
مواقع المملكة المغربية
الرباط في 06 فبراير 2020م.
بقلم الدكتورة عزيزة الطيبي.
مشروع المستقبل أعاد إحياءه جلالة الملك محمد السادس نصره الله، في ديسمبر 2019م، من خلال إرسال رسالة خلال القيام بالمناظرة الوطنية الأولى حول الجهوية المتقدمة، حيث أكد جلالته أن هذا الموضوع يشكل قضية هامه و منبرا للحوار و التشاور حول شؤون مهمة للغاية و التي تتعلق بشكل خاص بالسلطات الممنوحة للمناطق و التعاقد و التنمية الإقليمية المتكاملة و الإدارة الإقليمية، الإدارة المالية و الديمقراطية التشاركية.
و تجدر الإشارة إلى أن جلالة الملك محمد السادس نصره الله، أنشأ اللجنة الاستشارية في 3 يناير 2010، و هي المسؤولة الأولى عن تطوير نموذج إقليمي متقدم قادر على دعم برنامج الإصلاح الهائل. فأين نحن من هذا النموذج بعد عشر سنوات؟.
و للتذكير، فكل الدول سواء المتقدمة منها أو النامية، كانت ومازالت تعير الاهتمام البالغ بالجهوية لاعتبارها إحدى المقومات الأساسية في السياسات العامة. هاته الجهوية التي لها أهداف متعددة من أجل تطلعات تنموية واسعة، ولو أنها تختلف من دولة إلى أخرى وأحيانا من منطقة إلى أخرى من نفس الدولة. من هاته الأهداف نذكر تجاوز الاختلالات التاريخية التي تمثلت في تمركز الأنشطة الهيكلية ، وخاصة منها الصناعية في بعض الجهات و المدن، العمل على التخفيف من المركزية الشديدة التي تعاني منها بعض الأنظمة، خلق عدالة إجتماعية و خاصة في الدول المتخلفة و النامية إقتصاديا و إجتماعيا، و التي تعرف نسب مهمة من الفقر أو التمييز الاجتماعي بكل تجلياته، و كذلك المناطق التي تتفاوت فيها الفوارق المجالية بخصوص مستوى المعيشة وخاصة بين الطبقة الغنية جدا والطبقية الفقيرة جدا، والبحث أيضا على وسائل الخروج من الأوضاع التي تهدد الاستقرار بشتى بياناته.
ولا يمكن إستثناء المغرب، لأنه كباقي الدول الأخرى، منذ حصوله على الإستقلال، التي تبينت بين مناطقه بعض الفوارق و التفاوتات التي نتأسف لها ، حيث أن الإطار الإقليمي كوحدة جغرافية لم تعد كافية و لا قادرة أن تستعمل كحقل للتخطيط الإقتصادي و الإجتماعي، الشيء الذي بين ضرورة الاعتماد على تنظيم جديد وفعال، فكان العمل على الجهوية هي الوسيلة الملائمة لاختيارات إعداد التراب الوطني والتنمية الجهوية، والتي يعتبر فيها أن تكون وحدة ترابية قادرة على تقديم إطار مهيكل للنمو الاقتصادي والاجتماعي.
وفي هذا الصدد، لا بأس أن نذكر بمرحلة الستينات التي ميزها تاريخ 16 يونيو 1971، حين جاء ظهير احداث الجهات الاقتصادية السبعة، كلبنة أولى لتنظيم حقيقي للجهات في المغرب، حيثما تم وضع الإطار القانوني المؤسساتي الذي وضح وظيفة الجهة وحدود مشاركتها في المسلسل الوطني للتنمية، وجاء أيضا ليشرح التوجه الجهوي الذي اصبح من صميم الاختيارات الاقتصادية للمغرب في عهد جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، إذ شهد التاريخ المغربي على اعادة تقسيم المغرب جهويا على أسس جديدة تأخذ بعين الاعتبار المستجدات والمعطيات السوسيو- اقتصادية، خصوصا بعد ترقية الجهة الى جماعة محلية وفق الفصل 94 من دستور 1992 والفصل 100 من دستور 1996، أصبحت في الدستور الحالي لسنة 2011 تتصدر الجماعات الترابية، وأصبحت أيضا تحظى بمكانة الصدارة ضمن الخطب الملكية السامية والأنشطة الحكومية واهتمام كبير من طرف باقي المسؤولين المعنيين.
فالجهوية في مفهومها العلمي تعتبر اليوم الإطار الأنسب لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المحلية وخاصة بعدما تبين عجز الوحدات اللامركزية التقليدية عن حل المشاكل الاقتصادية وتجاوز الإكراهات التي تواجهها.
كما أن الجهوية، تعتبر أداة هامة لكونها تجعل إدارة المرافق العامة مطابقا لحاجيات الأفراد والسكان، وتكون القرارات المتخذة وذات الطابع المحلي موضوعية و فعالة.
وتعد الجهوية نوعا متطورا من اللامركزية الإدارية وإحدى آليات تجسيد الحكم المحلي وتفعيل مبدأ المشاركة الشعبية في تدبير الشؤون المحلية وتحمل مسؤوليتها ونتائجها.
لهذا يمكن أن نعتبر الخطاب الملكي السامي بتاريخ 6 نونبر 2008، مرجعا مهما للجهوية الموسعة بالمغرب، إذ يحدد تصورا مفصلا إلى حد ما للجهوية المتقدمة أو الموسعة، حيث أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في هذا الخطاب على ما يلي :" لذلك قررنا بعون الله فتح صفحة جديدة في نهج الإصلاحات المتواصلة الشاملة التي نقودها بإطلاق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة، تشمل كل مناطق المملكة، وفي مقدمتها جهة الصحراء المغربية... "، وهكذا يشير الخطاب الملكي إلى مفاهيم وعبارات يمكن الاستناد إليها لتحديد المعالم الكبرى للجهوية المرتقبة: " الجهوية المتقدمة والمتدرجة "، " التدبير الديمقراطي للشؤون المحلية "، " جهوية موسعة وملائمة "، " إصلاح هيكلي عميق "، " استحضار دور المؤسسات الدستورية "، " تقسيم ناجع "، " نظام فعال لإدارة لا ممركزة يشكل قطيعة مع المركزية المتحجرة"، " إصلاح مؤسسي عميق "، " ورش هيكلي كبير"، " نموذج مغربي لجهوية متقدمة."...
ويتحدث هذا الخطاب أيضا عن مبادئ توجيهية أساسية أهمها مبادئ الوحدة والتوازن والتضامن، التي تسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف تتمثل في ترسيخ الحكامة المحلية الجيدة وتعزيز القرب من المواطن وتفعيل التنمية الجهوية المندمجة. وتشكل الجهوية الموسعة مرجعية شبه دائمة في الخطب الملكية السامية.
وللتذكير، يعتبر خطاب تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية بتاريخ 5 يناير 2010 خطابا جاء ليدقق عددا من التوجيهات، حيث اعتبر أن بلورة الجهوية يتعين أن تقوم على أربع مرتكزات أساسية وهي 1- التشبت بمقدسات الأمة وتوابثها في وحدة الدولة والوطن والتراب، فالجهوية الموسعة يجب أن تكون تأكيدا ديمقراطيا للتميز المغربي الغني بتنوع روافده الثقافية والمجالية المنصهرة في هوية وطنية موحدة- حسب الخطاب الملكي. 2- الإلتزام بالتضامن، إذ لا ينبغي إختزال الجهوية في مجرد توزيع جديد للسلطات بين المركز والجهات. 3- إعتماد التناسق والتوازن في الصلاحيات والإمكانات وتفادي تداخل الإختصاصات أو تضاربها بين مختلف الجماعات المحلية والسلطات والمؤسسات. 4- انتهاج اللاتمركز الواسع الذي لن تستقيم الجهوية بدون تفعيله في نطاق حكامة ترابية ناجحة قائمة على التناسق والتفاعل.
وللتذكير فقط، فلقد أكد الراحل الملك الحسن الثاني رحمه الله نعالى، على فكرة الإصلاح الجهوي المتدرج في الكلمة التي ألقاها أمام البرلمان بتاريخ 5 نونبر 1996 حيث أوضح أنه " إذا وافقنا على كل شيء منذ البداية سيكون من الصعب التراجع عن القرارات المتخذة واسترجاع ما تم منحه...فإذا تبين، بعد سنة، أنه من المستحب توسيع إختصاصات الجهة، ستواكب النصوص هذه الإختصاصات كلما كانت الحاجة ماسة لذلك"
ويتفق الكل على أن التدرج في الإصلاحات طبقا للتوصيات السامية لملك المغرب، ومنح الإختصاصات للجهة يشكل تقنية يمكن تفسيرها على أساس استراتسجية مواكبة الإصلاح لمستوى تطور المجتمع المغربي، وذلك تفاديا للتفاوتات المحتملة بين المؤسسات والإطار البشري الذي يستقبلها، كما أنه من المؤكد أن التدرج سيسمح للجهات بأن تتمرن على ممارسة الإختصاصات الجديدة ومواجهة الإكراهات التي من الممكن مصادفتها.
ويعد التدرج في كل الإصلاحات منهجية ذكية خاصة في ميدان اللامركزية، حيث يتعلق الأمر بنظام معقد يقتضي تحقيقه على فترات لتفادي كل العراقيل والمعيقات الغير منتظرة خاصة.
فالجهوية المغربية التي جاءت في الخطب الملكية السامية دعت إلى تقوية الأصالة وإضفاء الطابع المغربي على الجهوية المرتقبة، حيث يجب
1- التأكيد على ضرورة وضع جهوية تأخذ بعين الإعتبار محدودية الإمكانيات المالية والمادية والتقنية والبشرية التي يتوفر عليها المغرب، ومدى إمكانية استيعاب مكونات المجتمع للإصلاح الجهوي،
2- الاعتراف الضمني بصعوبة إنشاء جهوية بنفس القوة التي ينطوي عليها هذا النظام في الدول المتقدمة، 3- كما أنه من الواضح أن التقنية التدرجية في تطبيق الجهوية المتقدمة، تعد عنصرا مكملا لجهوية مغربية- مغربية.
ولا يجب أن ننسى أن الجهوية حضيت بنصيب وافر في الخطابات الملكية وأضحت طموحا شخصيا للملك محمد السادس، وهكذا يؤكد خطاب 6 نونبر 2001 على ما يلي: " إننا عازمون على توطيد الجهوية بمنظور للتنمية الجهوية المتوازنة لا يختزلها في مجرد هياكلها وأبعادها الإدارية والمؤسساتية والثقافية، بل يعتبرها فضاء خصبا للتنمية الشاملة والمتواصلة بالجهة ومن أجلها ". ولقد ورد نفس الموقف في خطاب 30 يوليوز 2001: " مولين عناية قصوى في هذا المجال للجهة والجهوية التي نعتبرها خيارا إستراتيجيا وليس مجرد بناء إداري.".
فإذا كانت الجهوية الموسعة تهدف عموما إلى جعل الجهة إطارا لتمثيل الجماعة والمصالح والأنشطة التي تشكل نسيج الحياة اليومية لساكنتها والتي تتحكم في مصيرها، وأيضا تعمل على التدقيق في توزيع الإختصاصات بين الدولة والجهة، فإن خطاب 6 نونبر 2008، واضحأ في هذا الشأن لما تحدث عن مبدأ التوازن، الذي ينبغي أن يقوم على تحديد الإختصاصات الحصرية المنوطة بالدولة مع تمكين المؤسسات الجهوية من الصلاحيات الضرورية للنهوض بمهامها التنموية.
أما بخصوص العلاقة بين الجهوية و النموذج التنموي، فمفهومها مرتبط بالتعريف الذي نعطيه للنموذج التنموي..
فكما نعلم، فالنماذج التنموية كثيرة ومتعددة، وهي تبنى على وضعية الدولة وما تتوفر عليه من موارد بشرية واقتصادية، وكذلك ما راكمته من المكتسبات التي تبني عليها سياساتها العمومية.
في المغرب مثلا نجد أن النموذج التنموي عرف تحولات عديدة منذ الاستقلال إلى اليوم، وذلك لأسباب عديدة منها تغيير نسبة تدخل الفاعلين الاقتصاديين في مجالات السياسات التنموية ومدى تأثيرها على المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية...إلخ، وكذلك الطرق والوسائل المعتمدة في المخططات المتعلقة بالسياسات العامة، وفي طرق ومنهجية التدبير والتسيير للقطاعات الاستراتيجية والمشاريع الكبرى والمنظمة للاقتصاد الوطني.
للأسف الشديد، الشعب المغربي تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، ينتظر النموذج التنموي الذي يصبو إليه الجميع كأرضية يتم اعتمادها للتوجه إلى مستقبل يجعل من المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد المغربي ذكرى لزمن فات ولن يعود.
اليوم يجب تهييئ الجيل الجديد في ظل بلورة نموذج تنموي اقتصادي واجتماعي أكثر، يعمل على أساس المخططات القطاعية الكبرى، في تماسك اجتماعي متكامل الأطراف، مبني على رؤية واضحة وخطة عمل متضمنة لاختيارات اقتصادية موضوعية تكون نتائجها مضمونة تسعى أساسا إلى تحسين الظروف السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية للمملكة المغربية الشريفة.
" إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم " صدق الله العظيم.
و السلآم عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته.
مواقع المملكة المغربية
خديمة الأعتاب الشريفة
إمضاء :
الدكتورة عزيزة الطيبي.
قام بإعادة نشر مقال الدكتورة عزيزة الطيبي الأستاذ يوسف الإدريسي علمي( نيابة عن الشريف مولاي عبد الله بوسكروي ) و الأستاذ محمد نواري و الأستاذ عزيز فطامي و الأستاذ أحمد فاضل و الأستاذ و الكاتب الصحفي محمد الزايدي و الأستاذ محمد أمين علوي و الأستاذ عبد العزيز الزكراوي و الشريف مولاي ابراهيم محنش و الأستاذ زهير شمالي و الأستاذ عبد العالي لبريكي و الأستاذ أحمد بقالي و الأستاذ مصطفى خطاب المغربي و الأستاذة فايزة الإدريسي علمي و الأخوات الفاضلات فوزية لوكيلي و الشريفة إكرام ياسين و فاطمة نصفي ونور الهدى و الماجيدي السعدية…و باقي الأخوات و الإخوة الكرام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الملك محمد السادس قائدنا الأعلى و الله_الوطن_الملك شعارنا، والدفاع عن المصالح العليا للمملكة واجبنا.